اشتركوا شبكة قنواتنا |
.::شبكة القنوات عبر اليوتيوب والتيك توك ومواقع التواصل الخاصه بنا::. | ||||
| ||||
قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18 |
الإهداءات | |
#1
| |||||||
| |||||||
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية القائم على نفوس العالم بآجالها، والعالم بتقلبها وأحوالها، ألمانِّ علبهم بتواتر آلائه، المتفضل عليهم بسوابغ نَعْمَائه الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بعزته إرادته، فألهمهم حسن الإطلاق، وركَّبَ فيهم تشعُّبَ الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وعلى تشعب أخلاقهم يدورون، وفيما قضى وقدر عليهم يهيمون و )53:23 كل حزب بما لديهم فرحون(. وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر السموات العلا، ومنشئُ الأرضين والثرى، لا معُقَبَّ لحكمه ولا راد لقضائه )23:21 لا يُسْأَلُ عمُّا يفعل وهم يسألون(. واشهد أن محمداً عبده الْمُجْتَبي، ورسوله المرتضى، بعثه بالنور المضيّ، والأمر المرضيّ، على حين فترة من الرسل، ودروس من السُّبُل، فدمغ به الطغيان، وأكمل به الإيمان، وأظهره على كل الأديان، وقمع به أهل الأوثان، فصلى الله عليه وسلم ما دار في السماء فلَكَ، وما سبح في الملكوت ملَكَ، وعلى آله أجمعين!. أما بعد، فإن الزمان قد تبيَّن للعاقل تغيرُهُ، ولاح للّبيب تبدلهُ،حيث يبسَ ضَرْعُهُ بعد الغَزَارة، وذيَلَ فرعُهُ بعد النَّضَارة، ونَحِلَ عوده بعد الرطوبة، وبَشِعَ مذاقه بعد العذوبة، فنبغ فيه أقوام يَدَّعون التمكن من العقل من العقل باستعمال ضد ما يوجب العقل من شهوات صدورهم، وترك ما يوجبه نفس العقل بهَجَسَات قلوبهم، جعلوا أساس العقل الذي يعقدون عليه عند المعضلات: النفاق والمداهنة، وفروعه عند ورود النائبات حُسنَ اللباس والفصاحة، وزعموا أنَّ مَنْ أحكم هذه الأشياء الأربع فهو العاقل، الذي يجب الاقتداء به، ومن تخلف عن إحكامها فهو الأنوك الذي يجب الإزورار عنه. فلما رأيت الرَّعاع من العالم يغترون بأفعالهم والهمجَ من الناس يقتدون بأمثالهم، دعاني ذلك إلى تصنيف كتاب خفيف، يشتمل متضمنة على معنى لطيف، مما يحتاج إليه العقلاء في أيامهم، من معرفة الأحوال في أوقاتهم، ليكون كالتذكرة لدوي الحجى عند حضرتهم، وكالمعين لأولى النُّهيَ عند غيبتهم، يفوق العالمُ به أقرانه، والحافظ له أنرابه، يكون النديم الصادق للعاقل في الخلوات، والمؤنس الحافظ له في الفلوات، إن خَصَّ به من يجب من إخوانه، لم يفتقده من ديوانه، وإن استبد به دون أوليائه، فاق به على نظرائه. أبَيَّن فيه ما يَحْسُنُ للعاقل استعماله من الخصال المحمودة، ويقبح به إتيانه من الخلال المذمومة، مع القصد في لزوم الاقتصار، وترك الإمعان في الإكثار، ليخفَ على حامله، وتعيَه أذن مستمعه، لأن فنون الأخبار وأنواع الأشعار، إذا استقصى المجتهد في إطالتها، فليس يرجو النهاية إلى غايتها، ومن لم يرجّ التمكن من الكمال في الإكثار، كان حقيقاً أن يقنع بالاختصار. والله الموفق للسداد، والهادي إلى الرشاد، وإياه أسأل إصلاح بالأسرار، وترك المعاقبة على الأوزار، إنه جواد كريم، رءوف رحيم. ======= الحث على لزوم العقل وصفة العاقل اللبيب حدثنا محمد بن يوسف بن مطر حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه حدثنا أحمد بن يونس حدثنا فُضَيْل بن عياض عن محمد بن ثور عن مَعْمَر عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم )إن الله يحب مكارم الأخلاق، ويكره سفسافَها قال أبو حاتم: لست أحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خبراً صحيحاً في العقل، لأن أبانَ بن أبي عياش، وسلمه بن وَرْدَانَ، وعُمْير بن عمران، وعليَّ ابن زيد، والحسن بن دينار، وعبَّاد بن كثير، وميسرة عبد ربه، وداود ابن المحبر، ومنصور بن صفر وذويهم، ليسوا ممن أحتج بأخبارهم، فأخرّجَ ما عندهم من الأحاديث في العقل. وإن محبة المرء المكارمَ من الأخلاق وكراهته سفسافها هو نفس العقل. فالعقل به يكون الحظ، ويؤنس الغربة، ويَنْفيِ الفاقة، ولا مال أفضلَ منه، ولا يتمُّ دين أحد حتى يتم عقله. والعقل: اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب، والعلم باجتناب الخطأ، فإذا كان المرء في أول درجته يسمى أديباً، ثم أريباً، ثم لبيباً، ثم عاقلا، كما أن الرجل إذا دخل في أول حد الدهاء قيل له: شيطان، فإذا عتا في الطغيان قيل: مارِد، فإذا زاد على ذلك قيل: عَبقْريّ فإذا جمع إلى خبِثُه شِدةَّ شدَّة شرٍ قيل: عفِرْيت وكذلك الجاهل، يقال له في أول درجته: المائق: ثم الرقيع، ثم الأنْوَكُ، ثم الأحمق. وأفضلُ مواهبِ الله لعباده العقلُ، ولقد أحسن الذي يقول: وأفضل قَسْم الله للمرءِ عقلُهُ ... فليسَ من الخيرات شيء يقاربه إذا أكملَ الرحمنُ للمرءِ عقلَهُ ... فقدْ كملتْ أخلاقهُ ومآربه يعيشُ الفتى في الناس بالعقل، إنه ... على العقل يَجْري علمهُ وتَجاَربهُ يزيد الفتى في الناس جَوْدةُ عقلهِ ... وإن كانَ محظوراً عليه مكاسِبُهْ أخبرنا محمد بن سليمان بن فارس حدثنا أحمد بن سَياَّر حدثنا حَبيب الجلابّ. قال: قيل لابن المبارك ما خير ما أعطِيَ الرجل؟ قال: غريزة عقل، قيل: فإن لم يكن؟ قال: أدب حسن، قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ صالح يستشيره، قيل: فإن لم يكن؟ قال: صَمْتٌ طويل، قيل: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل أخبرنا محمد بن داود الرازي حدثنا محمد بن حَمْيدٍ حدثنا ابن المبارك قال سئل عقيل: ما أفضل ما أعطْى العبد؟ قال: غريزة عقل، قال: فإن لم يكن؟ قال: فأدب حسن، قال: فإن لم يكن؟ قال: فأخ شقيق يستشيره، قال: فإن لم يكن؟ فطولُ صَمْت، قال: فإن لم يكن؟ قال: فموت عاجل(. قال أبو حاتم: العقل نوعان: مطبوع ومسموع، فالمطبوع منهما كالأرض، والمسموع كالبذر والماء. ولا سبيل للعقل المطبوع أن يخلص له محصول دون أن يرد عليه العقل المسموع، فينبهه من رَقْدته، ويطلقه من مكامنه، يستخرج البذر والماء ما في قعور الأرض من الرّبْع. فالعقل الطبيعي من باطن الإنسان بموضع عروق الشجرة من الأرض، والعقل المسموع من ظاهرة كتدلِّي ثمرة الشجرة من فروعها. أنشدني محمد بن إسحاق بن حبيب الواسطي: رأيت العقل نوعين ... فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع ... إذا لم يك مطبوع كما لا تنفع الشمس ... وضَوْء العين ممنوع أخبرنا القطان بالرقة حدثنا موسى بن مروان حدثنا بقية عن عبد الله بن حسان حدثني ابن عامر، قال: قلت لعطاء بن أبي رباح )يا أبا محمد، ما أفضل ما أعطى العبد؟ قال: العقل عن الله أنشدني أحمد بن عبد الله الصنعاني لعبد الله بن عكراش: يَزِينُ الفتى في الناس صحة عقله ... وإن كان محظوراً عليه مكاسبه يَشينُ الفتى في الناس خفةُ عقله ... وإن كرمت أعراقه ومنَاَسبه قال أبو حاتم: فالواجب على العاقل: إن يكون بما أحيا عقله من الحكمة أكَلفَ منه ما أحيا جسده من القوت، لأن قوت الأجسام المطاعم، وقوت العقل الحكم، فكما أن الأجساد تموت عند فقد الطعام والشراب، وكذلك العقول إذا فقدت قوتها من الحكمة ماتت. والتقلب في الأمصار والاعتبار بخلق الله مما يزيد المرء عقلا، وإن عدم المال في تقلبه. أنشدني عبد الرحمن بن محمد المقاتلي: إن ذا العَقْلِ يرى غنما له ... عَدَمَ المال، إذا ما العقلُ صح ما على المرء بِعُدْم سُبَّةٌ ... إنْ وَفَا العقلُ، وإنْ دينٌ صلح أخبرنا محمد بن المسيب حدثنا أحمد بن إسماعيل المدني قال:سمعت حاتم ابن إسماعيل يقول ما استودع الله عقلا عَبداً إلا استنقذه به يوماً ما قال أبو حاتم: العقل دواء القلوب، ومَطِية المجتهدين، وبذر حراثة الآخرة، وتاج المؤمن في الدنيا، وعُدّته في وقوع النوائب، ومن عدم العقل لم يزده السلطان عزا، ولا المال يرفعه قدراً، ولا عَقْلَ لمن أغفله عن أخراه ما يجد من لذة دنياه، فكما أن أشد الزَّمانة الجهل، كذلك أشد الفاقة عدم العقل. والعقل والهوى متعاديان، فالواجب على المرء: أن يكون لرأيه مُسْعِفاً، ولهواة مسّوفا. فإذ اشتبه عليه أمران أجتنب أقربهما من هواه؛ لأن في مجانبته الهوى إصلاح السرائر، وبالعقل تصلح الضمائر. أخبرنا عمرو بن محمد الأنصاري ثنا ... ثنا محمد بن عبيد الله الجشمى حدثنا المدايني، قال: قال معاوية بن أبي سفيان لرجل من العرب عُمِّر دهراً اخبرني بأحسن شيء رأيته، قال: عقل طُلِب به مروءة مع تقوى الله وطلب الآخرة( وأنشدني عبد العزيز بن سليمان الأبرش: إذا تم عقل المرء تمت أموره ... وتمت أياديه، وتم بناؤه فإن لم يكن عقل تبين نقصه ... ولو كان ذا مال كثيراً عطاؤه أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو كامل الجحدري حدثنا عمران بن خالد الخزاعي قال: سمعت الحسن يقول: ما تم دينُ عبد قطُّ حتى يتم عقله قال أبو حاتم: أفضل ذوي العقول منزلةً أدومهم لنفسه محاسبة، وأقلهم عنها فترة. فبالعقل تعمر القلوب، كما أن بالعلم تستخرج الأحلام، وعمود السعادة العقل، ورأس العقل الاختيار، ولو صور العقل صورة لأظلمت معه الشمس لنوره، فقرب العاقل مَرْجُو خيره على كل حال، كما أن قرب الجاهل مَخُوف شره على كل حال. ولا يجب للعاقل أن يغتم؛ لأن الغم لا ينفع، وكثرته تزْري بالعقل، ولا أن يحزن؛ لأن الحزن لا يردُّ الْمَرْزِئَةَ. ودوامة ينقص العقل. والعاقل يحسم الداء قبل أن يبتلى به، ويدفع الأمر قبل أن يقع فيه، فإذا وقع فيه رضى وصبر، والعاقل لا يخيف أحداً أبداً ما استطاع، ولا يقيم على خوف وهو يجد منه مَذْهَباً، وإذا خاف على نفسه الهوان طابت نفسه عما يملك من الطارف والتالد، مع لزوم العفاف، إذ هو قطْب شُعَب العقل. أنشدني المنتصر بن بلال بن المنتصر الأنصاري: أو لستَ تأمر بالعفاف وبالتقى ... وإليه آل الأمر حين يؤول؟ فإن استطعت فخذ بعقلك فضلة ... إن العقول يُرى لها تفضيل أخبرنا الحسين بن إسحاق الأصبهاني بالكرج حدثنا محمد بن علي الطاحي حدثنا عمرو بن عثمان الخزاز الحراني حدثنا مفضل بن صالح قال: عليّ لما أهبط الله آدم من الجنة أتاه جبريل، فقال: إني أمرت أن أخيرك في ثلاثة، فاختر واحدة، ودع اثنتين، فقال آدم: وما الثلاث؟ قال: الحياء والدين والعقل، فقال آدم: فإني قد اخترت العقل، قال: فقال جبريل للحياء والدين: انصرفا ودَعَاه، فقالا: إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان، ثم عرج جبريل وقال: شأنكم يبع إن شاء الله تعالى وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً |