أحمد, الله, الرفاعى, رضي, سلوك, سيدي, عنه
سلوك سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم.أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين. اللهم اجعلني شكورا، واجعلني صبورا، واجعلني في عيني صغيرا، وفي أعين الناس كبيرا.
قال الإمام أحمد بن جلال اللاري المصري في كتابه: "جلاء الصدإ": "كان السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه يسكت حتى يقال: إنه لا يتكلم. فإذا تكلم بَلَّ بعذوبة كلامه الغليل، وداوى العليل. ترك نفسه وتواضع للناس، من غير حاجة. وكظم غيظَهُ من غير ضجر. وكان ليِّن العريكة، هيِّن المؤنة، سهلَ الخلق، كريم النفس، حسن المعاشرة، بسّاما من غير ضحك، محزونا من غير عبوس، متواضعا من غير ذلة، جوادا من غير إسراف. اجتمعت فيه مكارم الأخلاق.
"كان فقيها عالما مقرئا مجودا محدثا مفسرا. وله إجازات وروايات عاليات. إذا تكلم أجاد، وإذا سكت أفاد. يأمر بالمعروف لأهله، وينهى عن المنكر وفعله. كان كهف الحَرائِرِ، وملجأ المحتاجين، وكعبة القاصدين. أبا للأرامل والأيتام، يعطي من غير سؤال، ويمنح من غير إهمال. وإذا قال قولا أتبعه بصحة الفعل، وصدقِ القول، ولم يخالف قوله فعله قط"[1].
كان يغلب عليه خُلُق التواضع وهو العالم الجليل، الشيخ المحترم. وكان يعالج المرضى والعُرجان والعميان بنفسه. قال رحمه الله: "سلكت كل الطرق الموصلة فما رأيت أقرب ولا أسهل ولا أصلح من الافتقار والذل والانكسار. فقيل له: يا سيدي! فكيف يكون (هذا الطريق)؟ قال: تُعظِّم أمر الله وتُشفق على خلق الله، وتقتدي بسنة سيدك رسول الله"[2].
كان الافتقار الذي اتخذه رضي الله عنه طريقا هو الافتقار إلى الله عز وجل. وقد انتسب إلى طريقته من بعده طائفة جعلوا افتقارهم أكل الحيات والنزول في النار والدخول إلى الفَرَّان وركوب السباع. وهذا تزييف. وطائفة أخرى من تلامذة طريقته لا يزالون على مذهبه القويم.
كان ذله وانكساره لله عز وجل لا لغيره، وكان تواضعه ذلَّة على المومنين ورحمة للخلق المستضعفين. أما كُبَراءُ الدنيا من الظلمة فكان لا يقيم لهم وزنا. قال صاحب الشذرات: "كان لا يقوم لأحد من أبناء الدنيا، ويقول: النظر في وجوههم يقسي القلب"[3].
وصف الإمام أحمد الرفاعي طريق السلوك ومثَّل لها فقال: "أيْ سادةُ! الطريق إلى الله كطريق الرجل إلى البلدة الأخرى. فيه الصعود والهبوط، والاعتدال والاعوجاج، والسهل والجبل. فيه الأرض القفراء التي خلت من الماء والسكان، والأرض النضِرة الخضِرة الكثيرة المياه والأشجار والسكان. والبلدة المقصودة وراء ذلك كله.
"فمن انقطع بلذَّة الصعود، أو بذِلَّة الهبوط، أو براحة الاعتدال، أو بتعب الاعوجاج، أو بيُسْر السهل، أو بعُسْر الجبل، أو بغُصَّة الفقر ولوعة العطش، أو بحلاوة النضارة والخُضْرة والمياه والأشجار والأنس بالسكان، بقي دون المقصود.
"ومن لم يشتغل بكل ذلك، حاملا شدة الطريق، معرضا عن لذائذه، وصل إلى المقصود.
"وكذلك سالك طريق الله، إِنْ صرفته صعوبة الأحوال عن محول الأحوال، وقلبته سكرة إقبال الخلق عن مقلب القلوب، فقد فاته الغرض، وبقي دون مقصوده، وانقطع بلا ريب. وإن ترك عقبات الطريق وراء ظهره فقد فاز فوزا عظيما"[4].
قلت: إن من لم يصحِّحْ الإرادة، ويحرِّرْ القصد، أو دخل الطريق دون خفير ودليل، ولم يستفتح بشخص، وتسلق من وراء الأسوار، يوشك أن تتخطَّفَهُ مهلكات القواطع من ظلمات ونور. وقد يقف عند أول بارقة تبرق له، أو خارقة تظهر، فيظن أنه وصل، وهو لما يضع قدمه على الطريق.
لذا ولغيره كان الصبر مع الأستاذ شرطا لا يتخَطاهُ إلا جاهل به أو متهورٌ متكبر يأتي البيوت من غير أبوابها، فحقيق به أن يطرد، أو يترك سائما في بعض غَيْضاتِ الطريق ووهادها، وأوديتها وقِفارها.
ويؤكد الشيخ أحمد الرفاعي الشرط الأساسيَّ في المربي المصحوب كما أكده الغزالي وكما يؤكده كل العارفين الواصلين. ألا وهو شرط تسلسل السند الواصل إلى حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال رحمه الله: "صَحَّتْ أسانيد الأولياء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. تلقَّن منه أصحابه كلمة التوحيد جماعة وفُرادَى واتصلت بهم سلاسِلُ القوم"[5].
.