فأجاب – حفظه الله - : ( هذا يختلف باختلاف الناس ، فمن الناس من يقدس من أسدى له خيرا حتى ولو كان أمرا دنيويا ، ومنهم من لا يقدسه ولكنه يرى أن له معروفا عليه لا يكافئه إلا بقضاء حاجة 0
لكن إذا كان الشفاء بالقراءة الشرعية فإن التقديس للإنسان أكثر توقعا مما لو كان بغير ذلك ، لأنه ربما يعتقد أن لهذا المعالج منزلة عند الله عز وجل ، وأنه بسبب هذه المنزلة فقد كتب الله الشفاء على يديه ، لكن الواجب أن يعلم الإنسان أن القراءة هي سبب للشفاء والدواء الذي حصل به الشفاء إنما هو سبب ، والله سبحانه وتعالى هو المسبب ، وأن الإنسان ربما يفعل الأسباب فتوجد موانع تحول دون تأثيرها ، فالأمر كله بيد الله سبحانه ، والواجب أن يحمد الإنسان ربه على ما حصل له من الشفاء ، وأن يكافئ من حصل الشفاء على يديه بما يقتضيه الحال ) ( كتاب المسلمون – ص 96 ، 97 ) 0
2)- ذكر أنه بالنظر إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه وسيرة علماء الإسلام الموثوق بعلمهم وفضلهم لم نر أحدا منهم انقطع عن أعماله واتخذ هذا الأمر حرفة 0
* إن كان القصد من الكلام آنف الذكر ، الأمور التعبدية وما يتعلق بها من أحكام ، فلا خلاف في ذلك على الاطلاق ، خاصة أن الأمور التعبدية والإخلال بأي جزئية من جزئياتها يوقع في المحاذير الشرعية بحسب حالها ، ومثل ذلك التخصيص وبهذه الكيفية لا يعتبر في جزئياته بعد عن الكتاب والسنة ، فكما أن العلوم الشرعية برمتها تشعبت وتنوعت ، كعلم مصطلح الحديث ، وأصول التفسير ، وأصول الفقه وغيرها من العلوم الشرعية ، ومثل ذلك التشعب والتنوع لا يعني مطلقا خروجا عن السنة المطهرة ، أضف إلى ذلك وجود المعاهد الدينية ، ومدارس تحفيظ القرآن ، المؤسسات الشرعية ، كالمؤسسات الخيرية ونحوها ، كل ذلك يبقى في بوتقة الشريعة وضمن حدودها إذا روعي من خلال ذلك الضوابط الشرعية ، فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من أهل المنهج القويم والعقيدة الصحيحة إنه على كل شيء قدير 0
وإن كان الأمر ليس كذلك كالرقية الجماعية ، فهو اجتهاد بني على فتاوى العلماء حفظهم الله ، كإجراء تنظيمي ليس إلا ، وهذا يؤكد على أهمية لجوء المعالج فيما يتعلق بالمسائل المشكلة للرقية الشرعية وما يدور في فلكها وعلى اختلاف جزئياتها للعلماء وطلبة العلم ليسترشد بعلمهم ، ويستأنس برأيهم ، وبعض العلماء وطلبة العلم كان لهم رأي موافق لرأيك ، ولكن ليس بالأسلوب الجارح الموجه إلى من يعالج بالرقية الشرعية الثابتة بهذا الأسلوب والكيفية ، وتبقى المسألة خلافية بين العلماء ، وموقفنا من المسائل الخلافية معلوم ، خاصة إن كان الخلاف بين علماء أفاضل نذروا حياتهم وجل أوقاتهم في سبيل الدعوة ونصرة الدين ، فالواجب احترام رأيهم وتقديره ، وأن نسعى لعدم مخالفة الأصول والأحكام الشرعية ، وندور في فلك الكتاب والسنة والأثر ، ويعتقد أن الجميع يتوافق في الرأي بخصوص ذلك ، فالغاية والهدف هو المصلحة العامة الشرعية للإسلام والمسلمين 0
3)- ذكر أن الشياطين عندما ترى تعلق الناس بشخص ما قد تساعده ، وهو لا يشعر فتعلن خوفها وخروجها من المريض ونحو ذلك 0
* إن هذه المسألة ترتبط أساسا بحال المعالج وقربه من الخالق وصحة اعتقاده ومنهجه والتوجه السليم الذي يأخذ بعين الاعتبار كافة الجوانب المتعلقة بالرقية الشرعية ، واعتقد أن فحوى هذا الكتاب يؤكد على تلك المبادئ الأساسية التي لا بد أن ينشدها كل متصدر للرقية الشرعية ، وكل معالج أدرك هذه الأساسيات يعلم يقينا أن الأمر بيد الله سبحانه وتحت تقديره ومشيئته ، وقد أسلف الكاتب - حفظه الله - أن القائمين على ذلك الأمر من طلبة العلم ، ولا اعتقد أنه من السذاجة أن يمر عليهم مثل تلك الدسائس الشيطانية ، وهذا لا يعني عدم الوقوع في الخطأ ، ولكن وبتكاتف العلماء وطلبة العلم وتقديم النصح والإرشاد ، وبالمتابعة والتوجيه للقائمين على ذلك الأمر ، تتحقق المنفعة والمصلحة الشرعية 0
أما إن كان المؤلف يعني بكلامه الجهلة بالشريعة وأحكامها ، وأصولها وفروعها ، واقتحم باب الرقية حبا في المال والظهور ، والشهرة والسمعة ، فإنني لا أعنيهم مطلقا 0
وأما الاستشهاد بحديث الإمام أحمد - رحمه الله - في مسنده برقم ( 1 / 381 ) ، والحديث أورده العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - في السلسلة الصحيحة 1 / 584 ، على النحو التالي :
( أخبرت زوجة عبدالله بن مسعود فقالت : كانت عيني تقذف ( قال صاحب لسان العرب : والقذف : الصب - لسان العرب - 9 / 276 ) فكنت اختلف إلى فلان اليهودي يرقيها ، وكان إذا رقاها سكنت 0 قال : إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقيتها كف عنها ) 0
وقصة الحديث آنفا كما ثبت في صحيح سنن ابن ماجة لمحدث بلاد الشام العلامة محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - : ( عن زينب ، قالت : كانت عجوز تدخل علينا ترقي من الحمرة ، وكان لنا سرير طويل القوائم 0 وكان عبد الله ، إذا دخل ، تنحنح وصوت 0 فدخل يوما ، فلما سمعت صوته احتجبت منه 0 فجاء فجلس إلى جانبي 0 فمسني فوجد مس خيط 0 فقال ما هذا ؟ فقلت : رقي لي فيه من الحمرة 0 فجذبه وقطعه ، فرمى به وقال : لقد أصبح آل عبدالله أغنياء عن الشرك 0 سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) قلت : فإني خرجت يوما فأبصرني فلان 0 فدمعت عيني التي تليه 0 فإذا رقيتها سكنت دمعتها 0 وإذا تركتها دمعت 0 قال : ذاك الشيطان 0 إذا أطعته تركك ، وإذا عصيته طعن بإصبعه في عينك 0 ولكن لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرا لك وأجدر أن تشفين 0 تنضحين في عينك الماء وتقولين : أذهب البأس 0 رب الناس 0 اشف ، أنت الشافي 0 لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما ) ( صحيح الجامع 855 ) ( وقد عرج على ذلك في كتابي الموسوم ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ) تحت عنوان ( أدلة تحريم تعليق التمائم الشركية من السنة المطهرة ) 0
ولي بعض الوقفات عند هذا الحديث :
أ - لا يوجد وجه للمقارنة بين يهودي بين في منهجه وتوجهه واعتقاده ، وبين مسلم موحد صحيح المنهج والعقيدة والدين 0
ب - الاستشهاد الذي تحدث عنه الكاتب - حفظه الله - غير صحيح في هذا الموضع بالذات ، فالأمر كما هو واضح في الحديث أمر فردي لزوجة عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - وقد يحصل ذلك لأي شخص سواء كان متخصصا أو غير متخصص في الرقية ، بمعنى حصول ذلك في رقية لحالة معينة ، أو حصولها في رقية جماعية ، فهل يعني ذلك منع الرقية بصفة عامة خوفا من ألاعيب الشيطان ودسائسه ، وتعطيل سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قد تصل إلى درجة الوجوب في بعض الحالات التي قد يتعرض فيها المريض لحالة الخطر ، وماذا سوف يكون البديل لذلك ؟ لا نشك مطلقا بأن أبواب السحرة والمشعوذين والعرافين والدجالين سوف تشرع على مصراعيها نتيجة لذلك 0